محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
التعارض بين النصوص التشريعية
من المشكلات التي يتعرض لها القاضي في تفسير النص التشريعي، حالة تعارض النصوص. وقد يحدث هذا التعارض بين نصين في داخل التشريع نفسه (التعارض الداخلي)، أو بين نص في تشريع ونص في تشريع آخر (التعارض الخارجي). فما النص واجب التطبيق في هذه الحالة؟
ومثال للتعارض الداخلي تعريف مادة (2-7) من قانون المرور الكويتي رقم 76/1976 للدراجة الآلية بأنها "كل مركبة ذات عجلتين أو أكثر" على حين تُعرّفها مادة (3-9-رابعا) من القانون نفسه بأنها " ذات عجلتين أو ثلاثة." وبموجب مادة (3-9-رابعا)، لا يشمل النص الدراجة الآلية التي لها أربع عجلات فأكثر، على حين يشملها نص مادة (2-7). فأي النصين واجب التطبيق؟
للإجابة عن هذا السؤال، نستعرض فيما يلي المبادئ المستقرة في قضاء وفتاوى مجلس الدولة المصري، وأولها، أن المُفسِّر لا يملك تعطيل حُكم النص الذى يضعه المُشرّع بحسبان أن إعمال النصوص خير من إهمالها .. وأنه في حالة التعارض بين النصوص التشريعية، ينبغي أولا محاولة التوفيق بينها. وبتطبيق ذلك على الحالة المعروضة، يتبين لنا أنه يمكن التوفيق بين النصين واعتبار أن الدراجة الآلية يمكن أن تكون ذات ثلاث عجلات أو أكثر مادامت تتوافر فيها الشروط التي نص عليها القانون؛ وهي أن تدار بمحرك آلي، وتكون غير مصممة على شكل سيارة، ويقتصر استعمالها على الاستعمال الشخصي بصرف النظر عن عجلات المركبة.
ومثال للتعارض الخارجي، ما نص عليه قانون تنظيم الجامعات المصري رقم 49 لسنة 1972 من أن لرئيس الجامعة الترخيص لأعضاء هيئة التدريس في مزاولة مهنتهم داخل الجامعة، بينما يحظر ذلك قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم (9) لسنة 1983 اللاحق له. فما القانون واجب التطبيق على أعضاء هيئة التدريس: قانون تنظيم الجامعات باعتباره القانون الخاص إعمالا لمبدأ الخاص يقيد العام رغم أنه القانون السابق؟ أم قانون المناقصات إعمالا لمبدأ اللاحق ينسخ السابق؟
وللتوفيق بين النصين وإزالة التعارض بينهما، أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري بأنه لا مجال لمعارضة أي من أحكام قانون لأحكام قانون آخر ما دام أن أسبقهما خاص بطائفة معينة من العاملين وهم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، واللاحق يتعلق بمجمل العاملين. وارتأت أن النص الخاص يخرج مجاله عن دائرة العموم، ومن ثم، يرتفع التعارض بين النصين بما لا يقوم معه وجه القول بأن اللاحق ينسخ السابق فيهما لأن النسخ الضمنى للأحكام من اللاحق للسابق لا يقوم ولا يمكن إلا إذا استحال رفع التعارض بين الحُكمين. والتخصيص يرفع التعارض مع النص العام فيُعمل بالخاص في خصوصه وبالعام فيما عداه.
ومن المبادئ المستقرة للجمعية أنه، في حال تعارض النصوص التشريعية، يلزم تمحيص مجال كل تشريع والتمييز بين الخاص والعام، وبين الفاضل والمفضول (أي الأفضل من غيره، والذي يوجد ما هو أفضل منه)، وبين اللاحق والسابق، وبين الأعلى والأدني، وأن تطبيق التشريعات على اختلاف ما بينها في المصدر وفي المرتبة إنما يكون في حالة إمكانية تطبيقها جميعا. فإذا تعذر ذلك لما قد يوجد بينها من تعارض، وجب تطبيق القانون الأعلي في المرتبة، ويُستبعد من دائرة التطبيق القانون الأدني إذا تعارض مع القانون الأعلي.