محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
تمييز التشريع عن اللائحة والقرار الإداري والإجراءات المصلحية الداخلية
بينما تباشر السلطة التشريعية وظيفتها في شكل قوانين، تباشر السلطة التنفيذية سلطتها في شكل أدوات قد تتضمن نصوصا لائحية أو تشريعية أو مجرد إجراءات مصلحية داخلية (كالتعليمات، والتعاميم، والكتب الدورية والتفسيرية، وغيرها). ويثور السؤال حول طبيعة هذه النصوص وتكييفها القانوني، وما إذا كانت تعتبر نصوصا لائحية أم تشريعية، أم إجرائية.
ويُقصد بالتشريع، من جهة مضمونه، القواعد العامة المجردة المُلزمة الصادرة عن السلطة العامة المختصة. ويُقسّم التشريع إلى ثلاثة أنواع؛ التشريع الدستوري، والتشريع العادي، والتشريع الفرعي. وبينما يَصدر الأول والثاني من السلطة التشريعية، يَصدر الثالث من السلطة التنفيذية في شكل لوائح. وقد تتضمن اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية نصوصا لائحية (أي مجرد تفسير وتفصيل لقواعد عامة وتحديد إجراءات تنفيذها) أو نصوصا تشريعية تتضمن قواعد عامة.
وتختلف اللوائح التي تصدر من السلطة التنفيذية من جهة مصدر مشروعيتها ومضمونها والظروف التي تصدر فيها. على سبيل المثال، بينما تستمد اللائحة التنفيذية مصدر مشروعيتها من القانون الأصلي الذي فوّض السلطة التنفيذية في إصدارها وترتبط به ارتباطا كاملا وليس لها أن تخرج عنه أو تعدل فيه أو تعطل تنفيذه، تستمد اللوائح التنظيمية مصدر مشروعيتها من الدستور مباشرة وتتضمن قواعد عامة مُلزمة، وتعتبر مستقلة عن القوانين رغم أنها لا يجوز لها أن تخالفها.
ومن جهة المضمون، تُقسّم النصوص في اللوائح إلى نوعين؛ نصوص لائحية بحتة (تقتصر على تفسير أو تفصيل ما أجمله القانون أو تحدد إجراءات تنفيذه) وأخرى تشريعية تتضمن قواعد عامة مجردة ومُلزمة. على سبيل المثال، تعتبر نصوصا تشريعية ما تتضمنه اللائحة التنفيذية من قواعد عامة مجردة وُضعت بتفويض من التشريع الأصلي. ومن ثم، قد تتضمن اللائحة التنفيذية نصوصا لائحية وأخرى تشريعية في الوقت نفسه. والتفرقة بين الاثنين مهمة فى تحديد الجهة المختصة برقابتها؛ اذ التشريعى منها يخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، بينما الإداري منها يخضع لرقابة القضاء الادارى.
ويتعلق القرار الإداري بإحداث مركز قانوني معين (مثل تعيين موظف)، أو تعديله (مثل ترقية موظف) أو إلغائه (مثل فصل موظف). ومن جهة مضمونه، تُقسم القرارات الإدارية إلى قرارات فردية وقرارات لائحية تنظيمية. ويُقصد بالأولى تلك التي تنطبق علي أشخاص معينين بالذات. أما الثانية فهي التي تتضمن قواعد تنظيمية.
وفي رأينا، أن العبرة في التكييف القانوني للنصوص بمضمونها وليس بالشكل الذي تصدر فيه، ومن ثم، فإن الأداة التي تصدرها السلطة التنفيذية (سواء كانت في شكل قرار أو لائحة أو إجراء مصلحيا داخليا)، تعتبر، قرارا إداريا إذا كانت تتعلق بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إلغائه، لكنها إذا تضمنت قواعد عامة مجردة لم ترد في قانون ولم تصدر بتفويض تشريعي بوضعها، اكتسبت طابعا تشريعيا وأصبحت مثل التشريع الصادر من البرلمان، ومن ثم، تتسم بعدم المشروعية وتخضع لرقابة المحكمة الدستورية.