جائحة كورونا بين القوة القاهرة والظروف الطارئة

جائحة كورونا بين القوة القاهرة والظروف الطارئة

جائحة كورونا
بين القوة القاهرة والظروف الطارئة
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

أدى ظهور فيروس كورونا وانتشاره إلى إلحاق خسائر كبيرة بقطاعات كثيرة من الأعمال؛ ما أدى إلى توقف بعضها كليا، والآخر جزئيا، عن العمل. وأثيرت تساؤلات عدة حول التكييف القانوني الصحيح لجائحة كورونا، وما إذا كانت تُعتبر من أحداث القوة القاهرة، أم من الظروف الطارئة.

وللإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أولا النظر في الآثار التي تترتب على جائحة كورونا. فقد يترتب على حدوثها استحالة تنفيذ الالتزامات التعاقدية، ومن ثم، تنطبق عليها، للوهلة الأولى، نظرية "القوة القاهرة". لكن، في حالات كثيرة، قد يكون تأثيرها جزئيا أو مؤقتا، وليس كليا أو دائما، وتترتب عليها خسائر مُرهقة باهظة التكاليف لكن لا تحول دون تنفيذ الالتزامات التعاقدية، وفي هذه الحالة تنطبق عليها نظرية "الظروف الطارئة". وفي كلتا الحالتين، يُفترض أن حدوث الجائحة كان حدثا فجائيا (أو استثنائيا) ولم يكن لأي من الطرفين المتعاقدين دخل فيه. وبينما يترتب على الحالة الأولى إما وقف التنفيذ أو إنهاء العقد وإعفاء المدين من التنفيذ، يترتب على الثانية استمراره في تنفيذ التزاماته مع تعويضه جزئيا عن ما لحقه من خسائر.

ومن الناحية القانونية، تعد جائحة كورونا من الحوادث الاستثنائية العامة التي من غير الممكن توقع حدوثها قبل الدخول في العقد ويستحيل منعها، ولا دخل لأي من المتعاقدين في حدوثها. ومن ثم، يمكن أن تنطبق عليها كل من نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة. لكن، إذا كان تنفيذ الالتزامات التي ستترتب عليها مستحيلا بشكل دائم، تطبق نظرية "القوة القاهرة" ويُعفى الطرف المتأثر بها تلقائيا من تنفيذ التزاماته، دون حاجة إلى حُكم قضائي. أما إذا ترتب عليها إلحاق خسارة فادحة بالطرف المتأثر بها وإرهاقه فى تنفيذ التزاماته، جاز له المطالبة قضائيا برد الالتزام المُرهق إلى الحد المعقول. ولقاضى الموضوع حق تقدير عمومية الحادث وتقدير توقعه وقت التعاقد ومدى الإرهاق الذى أصاب الطرف المتأثر به. ولتطبيق نظرية الظروف الطارئة، يُشترط أن تكون الخسارة التي أصابت المدين فادحة؛ أما الخسارة المألوفة فلا تكفى لإعمال حكم الظروف الطارئة.

ومن ثم، يختلف التكييف القانوني لجائحة كورونا، من جهة الأثار التي تترتب عليها، على حسب ما إذا كان تنفيذ الالتزامات بسببها مستحيلا تماما، أم مرهقا وباهظ التكلفة فحسب؛ وما إذا كان تأثيرها دائما أم مؤقتا؛ وما إذا كانت ستؤثر على كل الالتزامات التعاقدية أم على بعضها فقط؛ وأخيرا، قد تختلف الآثار القانونية المترتبة على الجائحة على حسب نوع العقد والظروف المحيطة بتنفيذه. ومثال ذلك، حق صاحب العمل، لضرورات اقتصادية، إنهاء عقد العمل في حالة الإغلاق الكلي أو الجزئي للمنشأة أو تقليص حجمها أو نشاطها بما يمس حجم العمالة فيها (مادة-195 من قانون العمل المصري). وقد يقتصر تأثير الجائحة على تكبد الشركة خسائر مألوفة، وفي هذه الحالة لا نكون بصدد حالة قوة قاهرة أو ظرف طارئ. ومثال ثان، عقد التأمين، الذي يعتبر بطبيعته من عقود الغَرر القائمة على المخاطرة بحدوث مكاسب أو خسائر، أيا كان حجمها. ومن ثم، لا تطبق في هذه الحالة نظرية القوة القاهرة ولا نظرية الظروف الطارئة. وتتحمل شركة التأمين الخسارة بأكملها.