علامات الترقيم: هل تعتبر جزءا من القانون؟
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
يُقصد بعلامات الترقيم الرموز التي تستخدم في الكتابة، كالفاصلة والنقطة وغيرها، لتسهيل القراءة وتوضيح المعنى عن طريق الفصل بين كلمات أو أجزاء من الكلام. وبصفة عامة، يميل الصائغون القانونيون للإقلال من استخدام علامات الترقيم. وكانت الوثيقة القانونية القديمة، عادة، تمتد عبر صفحات عدة، من بدايتها حتى نهايتها، دون استخدامها. وكان الاعتقاد السائد قديما هو أنه ليست هناك حاجة لاستخدامها في لغة كُتبت أصلا لتُقرأ ويتم التمعن فيها في صمت، لا لتُكتب.
وعند تفسير النص التشريعي، يُثار سؤال مهم: هل يُمكن للمحكمة أن تلجأ إلى علامات الترقيم لاستنباط المعنى المقصود؟ وللإجابة عن هذا السؤال، هناك رأيان: الأول، يرى أنه لا ينبغي اللجوء إليها لتفسير معنى النص التشريعي. ويقول اللورد "ريد" أنه قبل عام 1850، كانت الهيئات التشريعية قديما تصوت على التشريع بعد تلاوته بصوت عال، ولم يكن التشريع المقترح يُعرض، أصلا، على أعضاء الهيئة التشريعية مكتوباً قبل التصويت عليه. وبعد إجراء التصويت، كان الصائغون يكتبون التشريع ويضعون علامات الترقيم حسبما يتراءى لهم. ومن ثم، كان الاعتقاد السائد أن علامات الترقيم ليست جزءاً من القانون، وكان القانون يُفسّر دون الرجوع إليها.
ويرى المعارضون لاستخدامها أنها غالباً ما يُساء استخدامها؛ إذ قد يتم حذفها بينما تكون هناك ضرورة لوضعها، وقد تستخدم بطريقة خاطئة أو في المكان الخطأ. وفي رأيهم، أن عدم استخدامها في الوثائق القانونية سببه الخوف من أن تفسرها المحكمة على نحو يغير المعنى المقصود منها. وما يثير المفارقة أنه بينما كان الهدف من عدم استخدامها هو تجنب الغموض، أدى ذلك، في حالات كثيرة، إلى خلق نوع من الغموض الذي كان مطلوبا أصلا تفاديه!
وعلى عكس ذلك، يرى آخرون إن عدم استخدامها قد يؤدى إلى صعوبة في فهم المعنى المقصود في القانون. وفي رأي الفقيه "دريدجر" "أنها إذا استخدمت بشكل صحيح، ترشد القارئ عبر الجملة وتساعده على تمييز عناصرها ومن ثم تجعله لا يضل طريقه". ويرى الفقيه "مارتينيو" "إن من الخطأ أن يتجنب الصائغ القانوني استخدامها لأن الهيئة التشريعية، في عصرنا الحالي، تقر التشريع وفقاً للنص المكتوب بما فيه علامات الترقيم. ومن ثم، فإن المحاكم تنظر إليها بالطريقة نفسها التي تنظر بها إلى الكلمات؛ بوصفها علامات إرشادية على نية المُشرّع.".
ويرى الفقيه "ديكرسون" "أن علامات الترقيم هي أكثر الأدوات التي يُساء استخدامها". لكن المشكلة ليست فيها نفسها، بل في استخدامها بطريقة سيئة. وبدلاً من أن يتجاهل الصائغ القانوني علامات الترقيم، ينصح ديكرسون "بأن يُتقن استخدامها وألا يعتمد عليها وحدها في أن تفعل ما يجب أن يفعله ترتيب الكلمات بشكل صحيح داخل الجملة القانونية."
وفي رأينا، أن المشكلة ، ليست في استخدام علامات الترقيم في حد ذاتها بل في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد عليها بشكل مُفرط في توضيح المعنى. لكن إساءة استخدامها في بعض الحالات لا يعني أن يمتنع الصائغ التشريعي عن استخدامها. فالعقاقير الطبية يُساء استخدامها، مثل أشياء كثيرة، لكن لم يقترح أحد حتى الآن أن نتوقف عن استخدامها!