ألعاب الصياغة: لعبة “ماذا لو….؟

ألعاب الصياغة: لعبة “ماذا لو….؟

ألعاب الصياغة: لعبة "ماذا لو....؟"
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

عند صياغة مشروع قانون، قد يعتمد المُشرّع حلولا تبدو لأول وهلة كفيلة بمعالجة الوضع الذي يسعى لتصحيحه، لكن عند تطبيقها قد تترتب عليها نتائج عكسية أو غير متوقعة لم يضعها في اعتباره. وتعتبر لعبة "ماذا لو" أسلوبا مفيدا لتقليل احتمال حدوث نتائج عكسية غير متوقعة واكتشاف الثغرات المحتملة التي يُمكن أن تترتب على التدابير التي يتضمنها مشروع القانون.

ومثال للنتائج العكسية، ما حدث في إحدى الولايات الأمريكية عندما انتشر فيها بشكل متزايد حيوان "القِيوط"، وهو حيوان مُفترس يُشبه الذئب، وافترس العديد من الماشية والأغنام الخاصة بالمزارعين. وللقضاء عليه، وضعت السلطة المحلية في الولاية تشريعا تلتزم بموجبه بدفع مكافأة قدرها دولارا لكل من يقتل كل حيوان قيوط. لكن، ما حدث بعد ذلك كان مُفاجئا وصادما؛ إذْ اكتشف المزارعون أن بإمكانهم أن يحققوا أرباحا من تربية حيوان القِيوط بدلا من قتله. ومع استمرار سريان التشريع، بدلا من أن يؤدي إلى القضاء على حيوان القِيوط، زادت أعداده. ولو كان من فكر في هذا الحل قد لعب لعبة "ماذا لو"، ربما كان قد تنبأ مسبقا بهذا الأثر العكسي!

وتعتبر لعبة "ماذا لو؟" أداة مفيدة في الصياغة التشريعية والعقدية. فمع كل التزام، ينبغي على الصائغ أن يسال: ماذا لو لم يلتزم المُخاطب به بتنفيذه؟ ومثاله، في حال الالتزام بتسليم البضاعة في عقد توريد، ينبغي على الصائغ أن يطرح الافتراضات الآتية ويضع الأحكام الخاصة لكل منها: 1) ماذا لو لم يُسلم المُورّد البضاعة في المكان والزمان المحددين في العقد؟ 2) ماذا لو كانت البضاعة مُخالفة للمواصفات المتفق عليها؟ 3) ماذا لو كانت ناقصة؟ 4) ماذا لو كانت تالفة؟ إلخ.

ومثال ثان في السياق نفسه، إنظر إلى صياغة المواد الخاصة بالتزامات البائع بتسليم المبيع للمشتري في القانون المدني المصري في المواد (431-438). تُحدد مادة (431) التزام البائع بتسليم المبيع للمشترى بالحالة التى كان عليها وقت البيع. تليها أحكام مبنية على مجموعة من الافتراضات حول هذا الالتزام تسأل: 1) ماذا لو عُيّن في العقد مقدار المبيع؟ 2) ماذا لو وُجد في المبيع عجز أو زيادة؟ 3) ماذا لو كان هناك اتفاق على تصدير المبيع للمشتري؟ 4) ماذا لو هلك المبيع قبل التسليم لسبب لا يد للبائع فيه؟ 5) ماذا لو نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه؟

ويُساعد أداء هذه اللعبة في الكشف عن الثغرات في صياغة العقود والتشريعات وسدها. ومثال ثالث، إذا كان الالتزام بالمواعيد، مثلا، مُهما للمشتري. في هذه الحالة، يتعين عليه أن يفترض أن البائع قد يتخلف عن التنفيذ في الميعاد المتفق عليه. عندئذ، يُمكنه أن يشترط أن ينص العقد على أن الالتزام بالمواعيد شرط جوهري يترتب على عدم الالتزام به حق الطرف الآخر في إنهاء العقد.

ومثال رابع، عندما يُجيز القانون لصاحب العمل أن يُدرج في العقد شرط "عدم المنافسة" لمنع العامل من أن ينافسه في نشاطه بعد ترك العمل لديه إذا كانت طبيعة عمله تسمح له بمعرفة عملائه أو بالاطلاع على أسراره. لكن قد تكون هناك مخاوف من أن يُستغل هذا الشرط لإجبار العامل على الاستمرار في العمل لدى صاحب العمل أو للانتقام منه. هنا يتدخل المشرع عن طريق طرح الافتراضات الآتية: 1) ماذا لو كان العمل الذي يُمارسه العامل لدى صاحب العمل لا يسمح له بمعرفة عملائه أو الاطلاع على أسراره؟ 2) ماذا لو كان العمل الذي سيمارسه مختلفا عن نوع عمله لدى صاحب العمل؟ 3) ماذا لو لم يتحقق ضرر لصاحب العمل من جراء ترك العامل لعمله؟ 4) ماذا لو مارس العامل نشاطه في منطقة جغرافية أخرى بعد تركه صاحب العمل؟ 5) ماذا لو أن صاحب العمل هو الذي أنهى عقد العمل دون أن يقع من العامل ما يُبرر ذلك؟ وتمثل هذه الافتراضات الخمسة الحالات التي يبطل فيها هذا الشرط في حال توافرها.