اكتشاف موضوع العقد

اكتشاف موضوع العقد

1) لماذا ندخل في العقود؟
ينبغي أن يضع صائغ العقد نصب عينيه أن المهمة الأساسية للعقد هي تحديد حقوق الأطراف والتزاماتهم بحيث يكون العقد دليلاُ مباشراً للقضاة (أو المحكمين) للاسترشاد به عند البت في المنازعات التي تنشأ بسببه، وكذلك للمحامين، بشكل غير مباشر، للاسترشاد به عند إعطاء المشورة لموكليهم. ونتيجة لدراستهم القانونية التي اعتمدت بشكل أساسي على دراسة أحكام الإستئناف والنقض، فمن المعتاد أن يضع المحامون عند صياغة العقود، نصب أعينهم قضاة النقض. ومن ثم، يخاطب العقد في المقام الأول القضاة والمحامين؛ ولكي يكون مفيدا لهم، يجب أن يكون متماشياً مع ثقافتهم ومفرداتهم المهنية، وأن يبدو العقد في نظرهم متوازنا وعادلا.
2) تحديد المسئوليات التعاقدية
أول ما ينبغي القيام به عند تقييم مضمون العقد هو تحديد المسئوليات التي ينشئها بالنسبة إلى أطرافه. وينبغي أن يكون هذا مفهوماً وواضحاً تماماً لأطراف العقد قبل توقيعه. ومن المفيد عقد اجتماع بين الطرفين ومحامييهم وتلخيص هذه المسئوليات والتأكد من فهمهما لها وإزالة أي غموض يعتورها. ومن المؤكد أن توضيح التزمات الطرفين المتفق عليها ومناقشتها سيسهم إلى حد كبير في تفادي حدوث الكثير من المنازعات التي تنشأ عادة عند تنفيذ العقود نتيجة لعدم فهم الأطراف فهما كاملا لالتزاماتهم أو سوء فهمهم لها.
وبمجرد الانتهاء من توضيح التزامات الطرفين، ينبغي على كل طرف التركيز على التزاماته التي ينشئها العقد. ومن المهم في هذه المرحلة المبكرة توزيع الأدوار على الأفراد الذين سينفذون العقد. ومن ثم، قد يكون من المفيد أن يعقد كل طرف اجتماعاً مع موظفيه المنوط بهم تنفيذ العقد للتأكد من توزيع المسئوليات عليهم. ويختلف هذا الأمر من عقد إلى آخر حسب طبيعة العقد وحجمه.
وفي بعض العقود، قد يتطلب الأمر أن يتعامل الأطراف مع آخرين في تنفيذ التزاماتهم التعاقدية (ومنهم على سبيل المثال، مقاولو الباطن، أو الموردون الفرعيون)، ولذلك، ينبغي على الأطراف بحث تلك الالتزامات المتداخلة مع أولئك الذين سيؤثر أداؤهم بشكل كبير على تنفيذها. وربما يتطلب الأمر أيضا بحث الالتزامات التي يتوقف تنفيذها على الحصول على موافقات حكومية أو التعامل مع أجهزة حكومية (مثل، الجمارك والضرائب وسلطات الحكم المحلي، وغيرها).
ويقتضي تحديد المسئوليات التعاقدية أيضاً تحديد المواعيد الرئيسة التي ينص عليها العقد ومراجعة ملاءمتها وعدم تداخلها والعوامل التي قد تؤثر فيها. وإذا كانت المواعيد التي ينص عليها العقد تؤثر تأثيراً كبيراً في أداء الالتزامات التعاقدية، ينبغي إدراج بند في العقد يحدد أن الوقت عنصر جوهري لتنفيذ الالتزامات، ومن ثم، إذا تخلف أحد الطرفين عن الالتزام بتنفيذ واجباته في المواعيد المحددة فإنه يعتبر قد خرق العقد.
ويمكن الاستفادة في هذا الخصوص من برامج الحاسب الآلى التي تستخدم للتخطيط لأداء الأعمال التي تنص عليها العقود والتأكد من تنفيذها في مواعيدها. ومن هذه البرامج، برنامج "أرتيميس" Artemis، وبرنامج "بريمافيرا" Primavera (للمشروعات الكبيرة) وبرنامج "ميكروسوفت بروجكت" Microsoft Project للمشروعات الصغيرة. وتقوم كل هذه البرامج بمهمة واحدة؛ وهي تحديد سلسلة من النشاطات الفردية والتداخلات فيما بينها. ويُحسب الوقت المتوقع لكل نشاط للوصول في النهاية إلى وضع خطة ذات توقيتات محددة لكل نشاط وترتيب تنفيذ تلك النشاطات.
3) ست خطوات لفهم موضوع العقد
لكي تفهم العقد بوضوح، عليك أن تقوم بست خطوات:

  1. ضع إطارا عاما للعقد، واتبع فيه نظام الترقيم المستخدم في الفصول والمواد الرئيسة والمواد الفرعية. اكتب عناوين تلك الفصول والمواد وتأكد من أن كل عنوان يمثل مجموع عناوين بنوده الفرعية.
  2. راجع مجموعات بنود العقد، كلا على حدة (انظر الفصل الثالث "تنظيم العقد"). وتأكد من توافر بنود أركان العقد (التراضي والمحل والسبب/المقابل) ومن أن صياغتها تراعي القواعد التي سبق شرحها. راجع بنود التزامات الأطراف وتأكد من أن العقد يغطي كل هذه الالتزامات ويحدد المسئوليات المترتبة على مخالفتها. راجع بدقة البنود النموذجية. لا تعتمد فحسب على الصياغات الجاهزة، ولكن تأكد من الصيغة التي تناسبك. اطلب حذف التعبيرات التي يمكن أن تؤدي إلى إثارة الشك حول معنى معين أو حدوث خلاف في التفسير. ومثال ذلك، تعبير "ما لم يقتض سياق النص غير ذلك"، إلخ.
  3. رتب التزامات كل طرف على حدة، وتأكد من أن العقد ينص على كل الالتزامات التي من المفروض أن ينفذها كل طرف. راجع التدابير التي ينص عليها العقد في حالة مخالفة تلك الالتزامات وما إذا كانت كافية لضمان التنفيذ، أم لا. تأكد من وضع البنود التي تنص على التدابير المتفق عليها في حالة خرق العقد بعضها بجوار بعض ضمن مجموعة البنود النموذجية في العقد (بنود التعويضات المتفق عليها، القوة القاهرة، فسخ العقد، التحكيم، إلخ.).
  4. اقرأ كل مادة بعناية وتأكد من أنك تفهم الكلمات المستخدمة فيها. لا تدع اللغة القانونية المصطنعة تزعجك. اطلب أن يشرح صائغ العقد كل كلمة تجد صعوبة في فهمها، ولا تصدق الصائغ الذي يقول لك إن هناك أسبابا "قانونية" لاستخدام كلمات أو تعبيرات معينة، فإذا لم يستطع صائغ العقد أن يشرح جملة بكلمات بسيطة، فيعني ذلك على الأرجح أنه لا يعرف معناها. فلا يوجد شيء في لغة القانون يستعصي تفسيره بعبارات بسيطة. وإذا لم يتمكن أطراف العقد أنفسهم من فهم بنوده، اطلب إعادة صياغته.
  5. حلِّل كل مادة من خلال طرح الأسئلة التالية: من يفعل ماذا؟ وفي ظل أي قيود أو ظروف؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا؟ وكيف؟ تأكد من وجود كل عناصر القاعدة القانونية في البند التعاقدي (الفرض والحكم والشروط والاستثناءات)؟ تأكد من وضع الفرض في أول الجملة، ومن أن الشروط والاستثناءات موضوعة في أماكنها الصحيحة داخل الجملة لتقييد التعبيرات التي قصد منها تقييدها دون سواها. تأكد من عدم التعبير عن أكثر من قاعدة في جملة واحدة.
  6. راجع الإحالات في العقد، سواء إلى بنود وردت فيه أو إلى نصوص خارجه، وتأكد من أنها تناسب الغرض الذي من أجله أُحِيل إليها. تأكد من عدم وجود تعارض بين بنود العقد بعضها مع البعض أو بينها وبين التزامات أخرى متعلقة بتنفيذ العقد. راجع النصوص أو المستندات المحال إليها في العقد وأرفقها به، عند الضرورة.