السلطة التشريعية .. هل هي فعلا المختصة بالتشريع؟

السلطة التشريعية .. هل هي فعلا المختصة بالتشريع؟

السلطة التشريعية .. هل هي فعلا المختصة بالتشريع؟
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

من المبادئ الدستورية أن السلطة التشريعية هي المختصة حصريا بالتشريع، ويُسمّى أعضاؤها "المُشرّعين" أو "صانعي القوانين" lawmakers. لكن، عمليا، السلطة التنفيذية هي التي تهيمن على العملية التشريعية برمتها من لحظة إعداد مشروع القانون حتى مرحلة إقراره وإصداره. وفي معظم البرلمانات، يهيمن الحزب الحاكم، الذي عادة يمتلك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، على عملية التشريع من خلال تحكمه في عرض مشروعات القوانين على البرلمان، وعملية التصويت عليها، ورفض إدخال أية تعديلات من الأحزاب الأخرى أو المعارضة لا تتماشى مع أغراض الحكومة.

وفي الدول العربية، رغم أن معظم الدساتير تعطي لعضو البرلمان الحق في المبادرة باقتراح مشروعات القوانين، توضع قيود عدة من شأنها أن تخنق بسهولة هذه الاقتراحات إذا لم تكن تتفق مع توجهات الحكومة. ومثالها، اشتراط أن يؤيد الاقتراح عدد من الأعضاء لا يقل عن حد أدنى معين، وأن يصوغ العضو الاقتراح بمشروع القانون في شكل نصوص تشريعية، ويُرفق به مذكرة إيضاحية. ومن المثير للمفارقة، أنه رغم أن عضو البرلمان يُكلف بصياغة الاقتراح إلا أنه لا يتلق أي تدريب أو توجيه لتمكينه من القيام بذلك! والأغرب، أن الموظفين التشريعيين المنوط بهم مساعدة أعضاء البرلمان لا يتلقون هم أنفسهم التدريب المناسب. وعادة، يأخذ الاقتراح مسارا معقدا ليصل إلى مرحلة العرض على المجلس بكامل هيئته؛ ونادرا ما يحدث ذلك. ورغم أن معظم أعضاء البرلمان يمارسون دورهم بجدية وإخلاص في اقتراح التعديلات على مشروع القانون، فإن النتيجة محسومة وهي أن أي تعديل لن يتم إقراره إلا إذا كان يتوافق مع سياسات الحكومة. ونتيجة لذلك، أصبحت الهيئات التشريعية توصف بأنها مجرد غطاء ديمقراطي لتمرير سياسات الحكومة.

ومن جهة أخرى، رغم أن مشروع القانون المُقدم من الحكومة إلى البرلمان ترافقه، عادة، مذكرة إيضاحية يُفترض أنها تبرر الحاجة إلى وضعه، إلا أنها لا تتضمن مبررات مدروسة للتدابير التي يتضمنها. وعادة، تصاغ بعبارات عامة، وأحيانا، تلخص فحسب مضمون مواده وتكررها.

لكن كَوْن أن السلطة التنفيذية تهيمن على العملية التشريعية لا يعنى أن الهيئة التشريعية دائما تكون أداة طيّعة لتنفيذ رغباتها، بل على العكس، قلما يتم تمرير تشريع دون إدخال تعديلات عليه، لكنها، غالبا، تمس "التدابير/الحلول" التي يتضمنها التشريع، وقلما تغير من "السياسات" التي تتبناها الحكومة. وتحدث المفارقة مرة ثانية عندما يصدر التشريع مختلفا إلى حد كبير عن ذلك الذي أعدته الحكومة. ونتيجة لذلك، لا يمر وقت طويل قبل أن يتم تعديل القانون بعد صدوره!

وفي رأينا، أنه يمكن تعزيز قدرات البرلمان على ممارسة اختصاصه التشريعي عن طريق إلزام الحكومة بأن تصوغ مشروع القانون طبقا لمنهج موحد يتضمن عناصر محددة، وبأن تُرفق معه تقريرا بحثيا يتضمن تبريرات منطقية للتدابير التي يتضمنها، بدلا من المذكرة الإيضاحية بطريقتها الحالية. ويمكن أيضا النظر في تخويل البرلمان السلطة في رفض استلام مشروعات القوانين التي ترد من الحكومة والتي لا تتفق مع المعايير المتفق عليها أو لا يُرفق بها التقرير البحثي المُشار إليه. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تقليل القيود المفروضة على ممارسة أعضاء البرلمان لدورهم التشريعي، وأن يتم تعزيز قدراتهم والطاقم المعاون لهم بحيث تكون لهم القدرة ليس فحسب على مراجعة مشروعات القوانين بشكل فعال بل أيضا على إعدادها وصياغتها.