القصد الاحتمالي في وفاة الإعلامي وائل الإبراشي

القصد الاحتمالي في وفاة الإعلامي وائل الإبراشي

القصد الاحتمالي في وفاة الإعلامي وائل الإبراشي!!
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

ما التكييف القانوني للجريمة إذا كان الجاني وقت ارتكابهاغير متأكد من حدوث النتيجة، ومع ذلك، يرتكبهاويقبل المخاطرة بحدوثها؟ ولنفرض أن مالك سفينة وضع قنبلة في مؤخرتها لتنفجر وتغرق في عرض البحرمن أجل أن يحصل على مبلغ التأمين، وهو بذلك يخاطر باحتمال أن يغرق معها المسافرون لكنه ليست لديه نية لقتلهم. في هذه الحالة، نكون بصدد ما يُعرف باسم "القصد الاحتمالي". ويُسأل الجاني عن القتل الخطأ مع تشديد العقوبة لكنه لا يُسأل عن ارتكاب جريمة القتل العمد.

ومثال القصد الاحتمالي، الطبيب الذي يُجري عملية جراحية مع وجود نقص في الأدوات ومع ذلك يُقدم على إجرائها معتمداً على مهارته وخبرته، ورغم توقعه احتمال وفاة المريض إلا أنه يخاطر باحتمال ألا يحدث ذلك، لكن المريض يموت. في هذه الحالة، نكون بصدد جريمة قتل خطأ مع القصد الاحتمالي وتطبق عقوبة القتل الخطأ مع اعتبار قبول الجاني المخاطرة ظرفا مُشددا للعقوبة. والوضع نفسه لا يختلف كثيرا في حال الطبيب الذي يُجرّب دواء غير مرخص به، أو يدخن في وجود المريض وهو يعلم خطورة التدخين على حالته، أو يتراخى في علاجه.

وتخلص واقعة وفاة الإعلامي وائل الإبراشي في أنه أصيب بفيروس كورونا واتبع الطبيب في علاجه دواء غير مرخص باستخدامه من وزارة الصحة المصرية. وكان الطبيب يدخن في المكان الذي يُعالج فيه المريض، وبعد أن تأخرت الحالة الصحية للمريض، نقل إلى المستشفى في مرحلة متأخرة جدا. مؤدى ذلك، أن الطبيب أهمل في علاج المريض، ولم يراع الأنظمة المتبعة في العلاج، وأخل بما تفرضه عليه أصول مهنته، ولم يتدخل في حينه بعد تأخر حالة المريض.

ومن القواعد الطبية المستقرة، حظر إجراء تجارب طبية إلا بموافقة هيئة مختصة، وأن تتم التجربة في داخل مركز صحي، بموافقة مستنيرة من المريض. وكل ذلك لم يحدث في الحالة الماثلة. وتنص مادة (238) من قانون العقوبات المصري على أن "من تسبب خطأ في موت شخص بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يُعاقب ..... بالحبس مدة ..... لا تزيد على (5) سنين وغرامة ...لا تجاوز (500) جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين،إذا وقعت الجريمة نتيجةإخلال الجاني إخلالاً جسميا بما تقرضه عليه أصول وظيفته أومهنته أو حرفته.....".

وبإنزال ما سبق على الحالة الماثلة، في حال ثبوت ما هو منسوب إلى الطبيب وارتباطه مباشرة بوفاته، يتبين لنا أنوصف جريمة "القتل الخطأ" ينطبق عليها من الناحية القانونية، ومع افتراض تشديد العقوبة على الجاني، لا تزيد العقوبة على الحبس لمدة (5) سنين وغرامة (500) جنيه!

وفي رأينا، ينبغي تخصيص نص خاص في قانون العقوبات للجريمة المُحتملةيحدد لها وصفا خاصا وعقوبة خاصة مُشددة، ويُخرجها من دائرة القتل الخطأ. ويمكن ربط العقوبة باحتمالات حدوث النتيجة المترتبة على الجريمة، خاصة، إذا كان الأمر يتعلق بإزهاق أرواح الناس.