النماذج العملية لكتابة الفتوى والرأي القانوني
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
تعتبر الكتابة القانونية من الأدوات الرئيسة لعمل رجل القانون. ويُقصد بها بيان حُكم القانون في التصرف القانوني أو الواقعة القانونية المنظورة. وتهدف الكتابة القانونية إلى الإقناع وتستخدم أدوات البحث والتحليل وقواعد المنطق. وقد ظهرت حديثا نماذج جاهزة للكتابة القانونية يجري تدريسها في كليات القانون في دول النظام الأنجلو-أمريكي ويُلزم رجل القانون باتباعها. ووصل الأمر إلى حد أن المحاكم في تلك الدول أصبحت تشترط أن يكتب المحامي مذكرة مرافعته وفق نموذج جاهز معين.
ومن أشهر هذه النماذج، نموذج IRACويتكون هذا الاسم من بدايات أربع كلمات، وبموجبه ينبغي أن يتبع المحامي في كتابة مذكرته الخطوات الآتية: 1) تحديد الموضوع ووصف الواقعة المنظورةIssue، 2) تحديد الوصف القانوني للواقعةRule، 3) تطبيق القاعدة واجبة التطبيق على الواقعة Application، 4) استخلاص الرأي القانوني Conclusion .
ومثلما يحدث في البحث العلمي، ينبغي على رجل القانون أن يحدد أولا المشكلة التي سيبحثها، ويُفضّل أن يتم ذلك في شكل سؤال. ومثاله، هل يستحق المقاول تعويضا عن الأعمال الإضافية التي قام بتنفيذها، أم لا؟ وغالبا، تكون المنازعة مركبة من أكثر من موضوع، وفي هذه الحالة ينبغي تحديد الموضوعات التي سيجري بحثهاوترتيبها على حسب أهميتها أو تسلسل حدوثها. ويتطلب وصف الواقعة بحث طبيعتها والظروف المحيطة بها والمستندات والأدلة التي تثبتها أو تنفيها وعناصرها؛ ومنها العنصر الشخصي (الأشخاص الذين على صلة بها)، والعنصر الزمني (وقت حدوثها وتسلسل الأحداث زمنيا)، والعنصر المكاني (وصف مكان حدوثها)، والأسباب والدوافع التي أدت إلى حدوثها. وينبغي النظر في كل الأدلة وعدم إغفال أي دليل.
ولإنزال حُكم القانون على الواقعة المنظورة، ينبغي، أولا،تحديد الوصف القانوني الصحيح لها،وقد يرد هذا الوصففي قانون أو عقد أو لائحة أو عُرف أو أية قاعدة قانونية مُلزمة. ثانيا، تطبيق الوصف على الواقعة؛ وهو ما يُعرف بالتكييف القانوني.ويُعد الوصف القانوني من عمل المُشرّع على حين يعتبر التكييف القانوني من عمل القاضي.
والقاضى عند تطبيقه للقانون يصادف مجموعة من الوقائع يتوقف الحكم فيها علىمضمون القاعدة القانونية واجبة التطبيق.وتعتبر الدعوى امام المحكمة خليطا من الواقع والقانون.ويؤدي الخطأ في الوصف القانوني ومدى انطباقه على الواقعة المنظورة،أو عدم فهم القاضيللواقعة والظروف المحيطة بها وعناصرها ودوافعها إلى الخطأ في الراى الذى يستنبطه منها، فيلحقه القصور في التسبيب، أو الفساد في الاستدلال، أو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
ويتبع مجلس الدولة المصري، ومعظم إدارات الفتوى في الدول العربية، النموذج نفسه المشار إليه في كتابة الفتوى القانونية، بيْد أنه، بدلا من تقديم الواقعة على القاعدة، يتم تقديم القاعدة على الواقعة، فيُشار أولا إلى القاعدة واجبة التطبيق، ثم، إلى الواقعة.وفي رأينا، أن البدء بتحديد الموضوع ووصف الواقعة المنظورة أفضل لأن من المنطقي تعريف القارئ بالموضوع والواقعة محل النظر، أولا، ثم بيان حُكم القانون فيها، ثانيا، وليس العكس.