شرط "الالتزام بالدفع ولو حدث الجحيم أو الطوفان"
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
هذا الشرط مُستوحى من تعبير بالعامية يُستخدم في أمريكا وهو come hell or high water ويعني حرفيا أن شخصا ما يلتزم بعمل شيء ما حتى ولو حال دون ذلك الجحيم أو الطوفان؛ وبعبارة أخرى، مهما كانت الصعوبات والعقبات. ويتعلق هذا الالتزام، غالبا، بالدفع. وربما يكون مُستوحى من الإشارة في الإنجيل إلى الجحيم وطوفان نوح.
وقد يصف هذا الشرط العقد بأكمله، ويُسمى في هذه الحالة hell or high water contract ويُعرف أيضا باسم "عقد وعد بالدفع غير قابل للإلغاء" promise-to-pay contract؛ وينص، عادة، على أن المشتري مُلزم بأن يدفع المبالغ المتفق عليها إلى البائع بصرف النظر عن أية صعوبات قد يواجهها. وعادة، ينص العقد على أن الالتزام بالدفع يعتبر التزاما "مطلقا وغير مشروط". ويتضمن تنازلا، من جانب الملتزم، عن الحق في الارتكان إلى أية دفوع أو مطالبات بإجراء مقاصة، أو دعاوى فرعية تحول دون تنفيذ الالتزام بالدفع، كذلك، لا يصلح معه الدفع بالقوة القاهرة للإعفاء من التنفيذ.
ويُستخدم هذا الشرط في العديد من العقود؛ منها عقد القرض، والرهن العقاري، وتأجير المعدات، وتمويل المشروعات، والإنشاءات، وغيرها. ومثاله، التزام المستأجر، في عقد تأجير المعدات أو تمويل المشروعات، بالاستمرار في دفع الأقساط بصرف النظر عن أية عيوب في المعدات المؤجرة أو أية مشكلات أخرى تتعلق بها. ويعني ذلك، أن المُقترض أو المُستأجر مُلزم بأن يستمر في الدفع حتى لو هلكت الأصول المُموَلة أو المؤجّرة، أو تبين وجود عيوب أو أعطال فيها. وينقل هذا الشرط كل التبعات الناشئة عن عدم تنفيذ المؤجر أو الممول لالتزاماته أو تقصيره في تنفيذها إلى المستأجر أو المقترض، ومن ثم، يُغري المؤجر أو الممول للموافقة على المعاملات التي ربما تنطوي على مخاطر كبيرة لهما. ويُستخدم هذا الشرط، خصوصا، إذا كان الممول أو المؤجر سيتحمل مخاطر كبيرة نيابة عن العميل تتمثل في رأس المال الذي سيدفعه، وربما لأن المعدات الممولة تم تصنيعها لغرض خاص بالمستأجر أو المقترض ولن يكون من السهل بيعها للغير في السوق. وأية ضمانات تتعلق بصلاحية المعدات للغرض الذي تم تأجيرها من أجله تقع على عاتق الشركة المنتجة أو المورد.
ومثال آخر، التزام المشتري في عقد توريد كهرباء أو غاز بالدفع حتى ولو لم يستخدم الكهرباء أو الغاز المتعاقد عليها. ويضمن هذا الشرط أن يحصل البائع أو مقدم الخدمة أو المؤجر الحصول على ثمن الخدمات المقدمة، في جميع الأحوال، حتى يستطيع أن يسدد أية قروض حصل عليها لإنشاء محطة الطاقة أو الغاز أو لتصنيع المعدات المؤجرة.
ويُثار سؤال عن ما إذا كان هذا الشرط يسري على الآثار الناتجة عن جائحة كورونا، أم لا؟ ومن المعروف أن الجائحة أدت إلى فرض قيود على السفر وإغلاق العديد من الشركات. وبينما تسعى الشركات المتأثرة بها إلى الدفع بالقوة القاهرة، أو استحالة التنفيذ، لإعفائها من تنفيذ التزاماتها أو تخفيفها، تدرج البنوك وجهات التسليف هذا الشرط في العقد وتحاول الارتكان إليه. وفي أبريل 2021، قضت "المحكمة التجارية الإنجليزية" بصحة ونفاذ هذا الشرط في عقد تأجير طائرة ورأت أن انهيار حركة السفر عن طريق الجو بسبب الجائحة لا يعفي المستأجر من التزاماته بالدفع.