صياغة بند القوة القاهرة

صياغة بند القوة القاهرة

أولا- عناصر بند القوة القاهرة.

يرى الأستاذ ليبشر، وهو شريك في مكتب وولف ثييس آند بارتنر للمحاماة بالنمسا، أن تعريف القوة القاهرة وآثارها، رغم أنه يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، يمثل تحدياً للصائغين، الذين يستخدمون عادة البنود النموذجية للقوة القاهرة بشكل تلقائي دون أية محاولة جادة لضبط البند بحيث يتلاءم مع المعاملة موضوع التعاقد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى صعوبات خطيرة في حالة حدوث ظرف من ظروف القوة القاهرة لم يؤخذ في اعتباره عند صياغة البند.
ويجب أن يتضمن بند القوة القاهرة دائماً العناصر التالية:

  1. تعريف القوة القاهرة.
  2. قائمة حصرية exhaustive list أو مفتوحة open-ended list بالأحداث الواقعية التي يمكن اعتبارها من أحداث القوة القاهرة.
  3. واجب الإخطار في حالة نشوء القوة القاهرة.
  4. التصرفات التي يجب على الطرف المتأثر بحدث القوة القاهرة اتخاذها.
  5. الآثار المترتبة على حدوث القوة القاهرة.

 

وسوف نتناول فيما يلي كل عنصر على حدة.
1) تعريف القوة القاهرة
ينبغي تعريف القوة القاهرة بأنها أي حدث: (1) يجعل تنفيذ العقد مستحيلاً (انظر مفهوم الاستحالة في البند "هـ" في المطلب الثاني من هذا المبحث) (2) يخرج عن نطاق سيطرة الطرفين، (3) لا يمكن تجنبه عقلاً، (4) لا يمكن التنبؤ به.
2) نطاق أحداث القوة القاهرة (قائمة حصرية أو مفتوحة)
تتضمن قائمة أحداث القوة القاهرة، على سبيل المثال لا الحصر، الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والنزاعات العمالية، وتغير اللوائح والقوانين، وغير ذلك. ومن المهم توضيح ما إذا كان عدم تنفيذ الغير لالتزاماتهم، مثل مقاولي الباطن أو الموردين الفرعيين، يمثل ظرفاً من ظروف القوة القاهرة، أم لا.
 وقد تطورت قائمة أحداث القوة القاهرة التي تدرج فى العقود الدولية بحيث أصبحت تشمل، بالإضافة إلى الحوادث التقليدية للكوارث الطبيعية والحروب، العوائق التى تحد من قدرة الأطراف على الوفاء بالتزاماتهم بسبب:

  1. التدخل المتزايد من جانب الحكومات أو الهيئات التابعة لها فى أنشطة الأعمال (التراخيص authorizations، الاعتمادات approvals، الامتيازات concessions، اللوائح regulations).
  2. الاضطرابات ذات الطبيعة الاجتماعية (الإضرابات strikes، وإيقاف العمل فى وجه العمال lock-outs) وقد اتسع مفهوم القوة القاهرة ليشمل أى حدث يمنع الطرف المتعاقد من الأداء فى الوقت المحدد، ويكون خارج نطاق سيطرته، ومن ثم يتضمن، فى أكثر الأحوال  تطرفاً، الصعوبات فى الحصول على المواد الخام أو نقلها، أو فى التلف الطارئ لمعدات الإنتاج أو فى عمليات الإنتاج.
    ونتيجة لهذا التطور في مفهوم القوة القاهرة، أصبحت بنودهاforce majeure clauses تتداخل مع  بنود الصعوبات المرهقة hardship clauses من ناحيتين رئيستين؛ الأولى، أن أحداث القوة القاهرة لا تؤدي إلى الاستحالة المطلقة وإنما إلى الاستحالة النسبية التي لا يُشترط فيها الاستحالة الفعلية للتنفيذ وإنما مجرد أن التنفيذ يصبح مرهقاً أو غير مجد من الناحية العملية رغم كونه مازال ممكناً. والثانية، تشابه الأثر الذي يترتب في الحالتين. فبعد أن كان بند القوة القاهرة بصياغته التقليدية القديمة يترتب عليه تلقائياً إما الإعفاء من الأداء، وهو ما يعني ضمناً الإعفاء من التعويض عن عدم الأداء، أو إنهاء العقد، أصبح الآن يسمح بإعادة التفاوض حول العقد وتحديثه بما لا يخل بتوازن التزامات أطرافه، وفي حالة فشل ذلك، يمكن تسوية النزاع بأية طريقة يحددها الطرفان في البند كحل أخير.
    ويحاول كل طرف صياغة بند القوة القاهرة بما يخدم مصلحته. وهنا قد تنشأ معركة بين صائغي كل من الطرفين عند تحديد نطاق بند القوة القاهرة والأحداث التي يشملها وتلك التي لا يشملها. ومثال ذلك ما يحدث في عقد البيع الدولي عندما يحاول المشتري تحديد نطاق الحالات التي تدخل ضمن القوة القاهرة والتي تعفي البائع من الأداء، في حين يحاول البائع توسيع نطاق تلك الحالات والآثار المترتبة عليها لتخفيف مسئوليته في حالة عدم تنفيذ التزاماته (لاسيما، التزامه بالتسليم). وقد تؤثر القوة القاهرة في قدرة البائع على تسليم البضاعة، كما قد تؤثر في قدرة المشتري على تسلمها ودفع ثمنها.
    وربما يقول صائغ البائع إن القوة القاهرة لا تقتصر على استحالة الأداء من الناحية القانونية أو الفعلية فحسب وإنما تمتد لتشمل أيضا التأخر في التنفيذ أو إعاقته أو عدم جدواه من الناحية الاقتصادية، ومن ثم، يدرج حكماً ينص على تمديد وقت التسليم في حالة حدوث تأخير أو إعاقة له أو إذا أصبح التنفيذ غير مجدِ من الناحية الاقتصادية.
    ومن ناحية أخرى، ربما يحاول صائغ المشتري استبعاد حالة تعطل الآلات من بين حالات القوة القاهرة وقد يضع شرطاً مسبقاً يوجب على البائع عمل صيانة منتظمة للآلات أو إعطاء إخطار للمشتري حول الأحداث التي تقع يبين فيه أنها تدخل ضمن القوة القاهرة. وفي هذه الحالة، يؤدي عدم إعطاء ذلك الإخطار إلى حرمان البائع من الاعتداد بالقوة القاهرة ويجعله مسئولاً عن التعويض. وقد يحاول صائغ المشتري إدراج حكم يوجب على البائع أن "يبذل أقصى ما في وسعه للتغلب على حالات القوة القاهرة. ويختلف مصطلح "أقصى ما في وسعه" best endeavors عن مصطلح "المساعي التجارية المعقولة"reasonable commercial endeavors؛ إذ قد يعفي الأخير البائع من الأداء إذا كان الحدث غير معقول. ومثال ذلك، إذا كان الحدث مرهقاً أو مكلفاً أو مبالغًا فيه.
    وقد تكون أحداث القوة القاهرة مؤقتة، ومن ثم يرغب صائغ البائع في أن ينص البند على أنه "بمجرد أن يتوقف حدث القوة القاهرة، يقوم البائع فوراً بالتسليم المطلوب".
  3. التصرف الذي ينبغي على الطرف المتضرر اتخاذه ينبغي أن ينص بند القوة القاهرة، بعد تحديد الأحداث التي تدخل ضمنه، على التصرف الذي ينبغي أن يتخذه الطرف المتضرر حال وقوع تلك الأحداث. وعادة يلتزم الطرف المتضرر باتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لإزالة حالة القوة القاهرة أو لتقليل تأثيرها في تنفيذ العقد إلى أدنى حد ممكن.
  4. واجب الإخطار، ينبغي تعريف عملية الإخطار تعريفاً صحيحاً بحيث تحدد بداية ونهاية الالتزام بالإخطار، وما ينبغي اعتباره أدلة كافية على وقوع حدث من أحداث القوة القاهرة، وعبء الإثبات، وآثار مخالفة واجب الإخطار.
    وعادة ما يترتب على عدم تقديم الإخطار المذكور أثر بالغ الخطورة؛ هو عدم إمكان الاعتماد على بند القوة القاهرة لتبرير عدم الأداء. وعلى الرغم من ذلك، لا ينشأ هذا الأثر الخطير تلقائيا نتيجة لعدم تقديم الإخطار فى حينه؛ إذ لابد عادة من وجود نص صريح فى العقد يفيد ذلك.
  5. الآثار المترتبة على حدث القوة القاهرة، هناك مزايا عدة لأن ينص العقد بتعبيرات واضحة على الآثار المترتبة على وقوع حدث غير عادي. أولا، يسمح ذلك للأطراف بتخصيص التبعات عند وقوع أحداث معينة ومن ثم يضعهم في موقف يمكنهم فيه التأمين لحماية أنفسهم من تلك التبعة. ثانيا، يؤدي ذلك إلى وضع القواعد الأساسية للعقد عن طريق توضيح ما إذا كان المقاول مسئولا، أو غير مسئول، عن أفعال مقاوليه من الباطن. وثالثا، يوفر مخرجاً بعد حدث من أحداث القوة القاهرة دام فترة طويلة.
    والقاعدة العامة هى أن حدث القوة القاهرة يعنى ضمناً، بادئ ذى بدء، التبرؤ من المسئولية عن آثار ذلك الحدث، أى عادة، عن التأخير فى الأداء أو عدم الأداء. ويعنى هذا الاستبعاد للمسئولية ضمنا أن الملتزم غير مسئول عن التعويضات، على عكس ما يحدث، عادة، في حالة خرق العقد breach of contract.
    ويقع عبء إثبات وجود حدث القوة القاهرة، تقريباً بلا استثناء، على الطرف الذى يستند إليه. وإذا قدم الملتزم دليلاً كافياً فى هذا الخصوص، فإن النتيجة هى أنه لا يصبح مسئولاً عن خرق العقد.
    وعلى عكس أغلب القوانين المحلية التى تتبنى مفهوم القوة القاهرة فى ممارسات التجارة الدولية، لا تؤدى القوة القاهرة بالضرورة إلى إنهاء العقد. والأغلب أن يتوقف الأداء فحسب في أثناء فترة حدث القوة القاهرة. وعند توقف حدث القوة القاهرة، يستأنف العقد، عادة، دون أية عواقب. وإذا اتصف حدث القوة القاهرة بصفة الدوام، أو أصبح كذلك، يتم إنهاء العقد وفقا لما ينص عليه عادة، ولكن غالباً ما يتفق الأطراف على إعادة التفاوض أو اللجوء إلى التحكيم لتعديل العقد ليلائم الظروف المتغيرة.
    وتنص بنود القوة القاهرة عموماً إما على وقف واجب أداء التزام ما أو مد الأداء فترة تتناسب مع فترة حدث القوة القاهرة. وفى بعض الأحيان، تنص بنود القوة القاهرة على أنه إذا استمر حدث القوة القاهرة قائماً بعد انتهاء فترة معينة، يجوز لأى من الطرفين أو كليهما إنهاء العقد. ومع ذلك، فإنه فى الأغلب الأعم من الحالات تتفق الأطراف على إعادة التفاوض على العقد بحيث يتكيف مع الظروف الجديدة. وفى بعض الأحيان قد تنص بنود القوة القاهرة، كحل بديل لإعادة التفاوض أو في حالة فشله، على اللجوء إلى التحكيم أو إلى أى نوع من الأنواع الأخرى من الوسائل البديلة لحل النزاع alternative dispute resolution، مثل المحاكمة المصغرة mini-trial، أو عرض النزاع على خبير فنى.
    ومن بين الآثار المترتبة على أحداث القوة القاهرة والتي قد يرغب الصائغ في تحديدها، انحلال العقد أو إنهاؤه. وفي هذه الحالة، يجب على الصائغ أن يحدد حقوق الأطراف بعد انحلال العقد أو إنهائه. مثلاً، ما الوضع بالنسبة إلى المبالغ المدفوعة إلى البائع وهل يجب ردها إلى المشتري؟ وما الوضع بالنسبة إلى المصروفات التي تكبدها البائع. وهل يجب ردها إليه؟ وما الوضع بالنسبة إلى الخسائر؛ هل تقع على الطرف الذي تكبدها؟
    وينبغي على الأطراف إرساء إطار تعاقدي صحيح ينظم الخيارات التالية المتاحة في حالة القوة القاهرة: (1) التدبير الانتصافي؛ ويشمل ذلك: تنفيذ الالتزامات، التعويضات، الغرامات، الفائدة. (2) التمديد؛ تمديد تنفيذ التزام معين أو تمديد العقد كله. (3) إنهاء العقد؛ مدة القوة القاهرة وأثر الإنهاء، رد الشيء لأصله، إلخ. (4) إعادة التفاوض.

 

وعند صياغة بند القوة القاهرة، ينبغي الإجابة عن الأسئلة التالية:

  1. من الطرف المستفيد من حدث القوة القاهرة؟
  2. ما مدى تأثير ذلك الحدث؛ هل منع الطرف المتأثر به من الأداء؟ أم مجرد إعاقته؟ أو التسبب في حدوث تأخير؟ أو إرهاقه؟
  3. ما مدى العبء الذي تم الإعفاء منه؟
  4. ما أنواع الأحداث التي تدخل في القوة القاهرة (أحداث بعينها، أم أحداث عامة)؟
  5. ما المدة المحددة لواجب الإخطار بالقوة القاهرة؟
  6. ما الآثار المترتبة على الإعفاء من الأداء؛ الإنهاء، التأخير، توزيع الخسائر؟

 

وينبغي على الصائغ أن يضع في اعتباره ما يلي:

  1. أن تعبير "أو أية أسباب أخرى تخرج عن نطاق سيطرتنا" or any other causes beyond our control لا يقتصر على الأحداث "من ذات النوع" eiusdem generis.
  2. أن تعبير "تطبق البنود المعتادة للقوة القاهرة" قد حُكم ببطلانه لافتقاده إلى اليقين.
  3. أن عبء الإثبات يقع على الطرف الذي يرتكن إلى بند القوة القاهرة.
  4. أن الطرف الذي يسعى إلى إعفائه من المسئولية عليه أن يثبت أن التنفيذ أصبح مستحيلاً، من الناحية الفعلية أو القانونية، وليس مجرد أكثر صعوبة أو غير مربح.