قاعدة "القلم الرصاص الأزرق":
سلطة القاضي في إنقاص العقد وتصحيحه وإكماله
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
ماذا يفعل القاضي إذا وجد أن جزءا من العقد باطل أو قابل للإبطال؟ أو يحتاج إلى تصحيح؟ أو أن العقد ينقصه العديد من الشروط الثانوية كي يصبح نافذا؟ هل تكون له سلطة إبطال ذلك الجزء، أو تصحيحه، أو إكمال العقد؟ ومثال للنص القابل للإبطال، نص يعفي أحد المتعاقدين من المسئولية عن أخطائه أو إهماله. وبموجب مادة (143) من القانون المدني المصري، يجوز للقاضي "إنقاص" الجزء الباطل من العقد مع استمرار سريان باقي أجزائه .......وفي بريطانيا والولايات المتحدة، تُطبق قاعدة مماثلة تُسمى قاعدة"القلم الرصاص الأزرق"blue pencil، وفي كندا وهونج كونج والهند، تُسمى "الإنقاص الصوري" notional severance.
وفي نظام التقنين المدني، هناك حالات تجيز للقاضي تصحيح العقد؛ ومثالها، حالة الغَبْن، وحالة الظروف الطارئة،وحالة الإذعان. كذلك، يمكن للمحكمة في حالات معينة استنباط المسائل الثانوية في العقد وإكماله.وتنص مادة (95) من القانون المدني المصري على أنه "..... إذا قام خلاف (بين الطرفين) على المسائل (التفصيلية)، فإن المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعُرف والعدالة." وبعبارة أخرى، إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد ولم يتفقا على المسائل التفصيلية، اعتبر العقد قد تم ويجوز للمحكمة استكماله.
لكن، قد تنشأ مشكلة نتيجة لتصحيح العقد. فمثلا، إذا كان الجزء الباطل مُصاغا بصيغة النفي،لا تجوز إعادة صياغته بصيغة الإثبات. ومثال ثان، إذا كانت صياغة الجزء محل البحث غامضة أو مثيرة للالتباس، فهل يجوز للمحكمة تصحيحه؟وفي قضية Shafron v. KRG, 2009، كان شفرون" يعمل لدى شركة تأمين تسمىKRG، وتضمن عقد عمله مادة تحظر عليه العمل في مجال التأمين في نطاق "مركزمدينة فانكوفر" في كندا لمدة 3 سنوات من تاريخ انتهاء عمله بالشركة. لكنه، بعد أن ترك الشركة عمل لدى شركة أخرى في إحدى ضواحي مدينة فانكوفر. ورفعت شركةKRG دعوى ضد شفرون زعمت فيها أنه خرق شرط حظر المنافسة. ورفض قاضي الموضوع الدعوى على أساس أن عبارة "مركز مدينة فانكوفر" غير واضحة، وغير معقولة ولا تبعث على اليقين. لكن محكمة الاستئناف ألغت الحكم وقضت بنفاذ شرط حظر المنافسة، وفسرت العبارة على أنها تعني "مدينة فانكوفر وضواحيها".
وطعن شفرون على الحكم أمام "محكمة كندا العليا" التي قضت بقبول الطعن ورأت أن محكمة الاستئناف أخطأت في تطبيق القانون عندما صحّحت العبارة. وقالت المحكمة إن قاعدة "الإنقاص الصوري" لا يمكن تطبيقها، بصفة عامة، على النصوص التي تقيد حرية التجارة لأن تلك النصوص، مالم تُقيد بشروط معينة، تخالف بطبيعتها النظام العام، فضلا عن أنها لا يمكن تطبيقها على نص غير معقوللا يحددبشكل واضح المكان الجغرافي الذي تُحظر فيه المنافسة.
ويمكن إدراج مادة في العقد تنص على أنه "إذا تبين بطلان أي نص في العقد، يُفسر ذلك النص بالقدر الضروري بما يضمن عدم بطلانه، لكن إذا تعذر ذلك يتم إنقاصه من العقد ويستمر سريان باقي أحكام العقد. ويحاول الطرفان تعديل الجزء المنقوص بما يعكس نيتهما الأصلية."