محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
قياس كفاءة التشريع وفعاليته قبل إقراره من البرلمان
أسمع كثيرا من يقول "لدينا قوانين عظيمة لكنها لا تُنفذ!" وأتساءل كيف يمكن أن يكون القانون عظيما وهو لا يُنفذ؟ والأهم، هل يمكن أن نقلل مخاطر فشل القانون قبل إقراره من البرلمان؟ الإجابة: نعم، يمكن ذلك عن طريق قياس فعاليته وكفاءته. لكن، ما المقصود بالفعالية والكفاءة؟ وكيف يمكن قياسهما؟
يعني معيار "الفعالية" أن تحقق التدابير التي يتضمنها التشريع الهدف الذي وُضع من أجله ومدى قبول الناس في المجتمع له والتزامهم بالتدابير التي يتضمنها. وللتحقق من جودة التشريع، تُستخدم أجندة "روكيبي" ROCCIPI للتعرف على مسببات المشكلة التي يسعى القانون لحلها والتدابير الملائمة لحلها بطريقة منطقية وموضوعية. وبموجبها، ينبغي، قبل إقرار التشريع، بحث 7 عناصر أساسية؛ هي: القواعد القانونية القائمة Rule؛ الفرص المتاحة لتطبيقهOpportunity ؛ مدى توافر القدرات والإمكانيات المطلوبة لنجاحهCapacity ؛ مدى علم المخاطبين بأحكامهCommunication؛ مصلحة المخاطبين به في الامتثال أو عدم الامتثال لهInterest ؛ آليات تنفيذ التدابير التي يتضمنهاProcess ؛ المعتقدات ذات الصلة السائدة لدى الناس Ideology.
ويعني معيار "الكفاءة" أن يتم تحقيق الهدف من التشريع بأقصى قدر من الفوائد وأقل تكلفة ممكنة. ويقول الفقيه "باريتو" "إن السياسة تكون جديرة بالاختيار إذا كانت تُحسّن وضع شخص ما دون أن تؤدي، في الوقت نفسه، إلى تفاقم وضع شخص آخر." ومهما بدا القانون "محايدا" في ظاهره، فسيتفاوت تأثيره على مختلف فئات المجتمع. فالقانون الذي يحظر التدخين في الأماكن العامة، مثلا، سيؤدي إلى إلحاق الضرر بأصحاب المقاهي والكافيتريات، وربما، قطاع السياحة عموما. وقد يؤدي التشريع غير الملائم إلى خنق النمو الاقتصادي عن طريق وضع العراقيل أمام الاستثمار، أو يترتب على تطبيقه تحميل الجهاز الحكومي المنوط به الإشراف على تنفيذه أعباء كبيرة.
ويُحلل معيار "الكفاءة" الفوائد والتكاليف المقترنة بكل تدبير تشريعي، من جهة، والأضرار الفرعية التي قد تترتب عليه من جهة أخرى. ولكي نتحقق من كفاءة التشريع، ينبغي أن نتحقق من أنه يُقدم مكاسب أو فوائد للمجتمع أكبر من أية أضرار فرعية قد تنتج عنه. كذلك، ينبغي أن يُوضّح تطبيق هذا المعيار ما الجماعات التي ستحصل على الفوائد، وما الجماعات التي ستتحمل التكاليف؟ وبعبارة أخرى، من سيكسب ومن سيخسر؟ وبالإضافة إلى قياس الآثار الاقتصادية للتشريع، ينبغي أيضا قياس الآثار المرجح أن تؤثر على مختلف فئات المجتمع. وقد يبدو من الصعب قياس الآثار غير الاقتصادية المحتملة المترتبة على تطبيق القانون الجديد؛ فكيف، مثلا، يمكن أن نُقيّم الفائدة التي تعود على المجتمع من تقليل خطر فيروس كورونا؟ أو إطالة عُمر شخص مريض؟ أو حماية البيئة، أو الأمن الوطني؟ لكن، مع ذلك، يُمكن قياس هذه الآثار في ضوء مؤشر ما؛ مثل، معدل انخفاض الجريمة، أو الوفيات، أو التلوث البيئي، إلخ.
وفي رأينا، أن قياس فعالية التشريع وكفاءته قبل إقراره من البرلمان يُعد عاملا مهما لضمان نجاحه. ومالم يتحقق الهدف من التشريع بأقصى قدر من المكاسب وأقل قدر من الأضرار، يظل مجرد حبرا على ورق، بل لا يساوى الورق الذي كُتب عليه! ومن المهم أن يقوم البرلمان بدور فعال في هذا السياق من جهتين؛ الأولى، إلزام الحكومة بقياس فعالية التشريع وكفاءته قبل تقديمه إلى البرلمان، والثاني، تكليف اللجنة النوعية، التي يُحال إليها مشروع القانون لدراسته، بأن تراجعه في ضوء ذلك المعيار قبل عرضه على الجلسة العامة للبرلمان.