لعبة القط والفأر بين القاضي والمحامي!!
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
من المبادئ القانونيةالمستقرة مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون.ومثال الأسباب التي يقررها القانون لإبطال العقد أو تعديله حالات الغلط الجوهري والإكراه والتدليس والإذعان والغَبْن والظروف الطارئة. لكن ماذا يفعل القاضي إذا كان اتفاق الطرفين غير منصف وليست هناك أسباب قانونية صريحةتبرر إبطاله أو تعديله؟ هنا، يلعب القاضي مع المحامي الذي كتب العقد لعبة القط والفأر؛وفيها،يحاول المحامي تفادي الأسباب التي يقررها القانون، على حينيسعى القاضي بكل الطرق إلى إفساد هذه المحاولات.
وتكثرممارسة لعبة القط والفأر، بصفة خاصة، عندما يحاول المحامي أن يضع في العقد بنودا تعفي موكله من المسئولية عن أخطائه أو إهماله. هنا، يحاول القاضي أن يجد وسيلة كيْ لا يضطر إلى تطبيقها،وذلك عن طريقإثبات أن الطرف المتعاقد لم يقبل أصلاتحمل هذه المسئولية. وفي قضيةOlley v. Marlborough Court Ltd. (1949)سُرق معطف أحد النزلاء من غرفته، وعندما قاضى النزيل الفندق للمطالبة بالتعويض، استند الفندق إلى أنه كان هناك إعلان في غرفة النزيل ينص علي "إعفاء الفندق من المسئولية عن ضياع أو سرقة أية مقتنيات من الغرفة". لكن المحكمة قضت بأن لحظة إبرام العقد هي اللحظة التي سجل فيها النزيل نفسه لدى مكتب الاستقبال بالفندق، ومن ثم، فإن الإعلان المُعلق في الغرفة يُعتبر واقعة لاحقة للتعاقد لأن النزيل لم يره إلا بعد إبرام العقد، ومن ثم، لم يوافق عليه.
وكلما كان بند الإعفاء من المسئولية غير معقول، اشترطت المحاكم زيادة توضيحه والتأكد من عِلم المتعاقد به. وفي قضيةSpurling (J.) Ltd v Bradshaw (1956)، قال اللورد دينينج "إن بعض البنود العقديةيُشترط لصحتها أن تكتب بخط كبيرأوبحبر أحمر علي وجه الوثيقة، وليس خلفها، مع رسم يد حمراء تشير إليها حتى تطمئن المحكمة إلى أنالمتعاقد علم بها ووافق عليها".
وفي قضية Chapleton v. Barry(1940)، استأجر المدعي كرسيا للجلوس علي الشاطئ، وأعطيت له تذكرة تضمنت بندا للإعفاء من المسئولية عن أي ضرر يلحق به نتيجة جلوسه على الكرسي. وعند جلوسه، سقط الكرسي، ما أدى إلى إصابته. ورفع المدعي دعوى للتعويض ضد المؤجر. وفي دفاعه، ارتكن المحامي إلى بند في التذكرة يعفي موكله من المسئولية. لكنالقاضي قضىبعدم نفاذ البند لأنالتذكرة لم يكن القصد منها أن يكون لها أثر تعاقدي.
وفي إحدى القضايا، تم القبض على شخص بتهمة قتل زوجته. وفي التحقيقات أمام الشرطة والنيابة اعترف المتهم بارتكابه الجريمة، وقُدّمت أدلة دامغة على ارتكابه لها. هنا، خطرت على بال المحامي فكرة شيطانية. قال للقاضي إنه سيقدم له دليلا قاطعا على أن زوجة المتهم على قيد الحياة. وأشار إلى باب القاعة قائلا "الآن، ستدخل الزوجة من الباب لتثبت للمحكمة أن جريمة القتل لم تحدث". والتفت كل من في القاعة إلى الباب، هنا قال المحامي للقاضي"إن الحكم يقوم على الجزم واليقين لا الشك والتخمين. وإن كل من في القاعة شكوا واعتقدوا فعلا أن الزوجة لم تُقتل، ولذلك، أطالب ببراءة المتهم." لكن القاضي رد عليه قائلا "صحيح، إن من في القاعة نظروا إلى بابها، لكنني نظرت إليك وتشككت فيما تقوله وعرفت أنكتكذب."!!