من يتحمل تبعة الهلاك في حالة القوة القاهرة؟
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
لنفرض أن زلزالا قد حدث في موقع لبناء إنشاءات وأحدث خسائر جسيمة في الأعمال التي أنجزها المقاول قبل تسليمها إلى صاحب العمل وجعل من المستحيل استمراره في تنفيذ الأعمال المتعاقد عليها. بموجب نظرية القوة القاهرة، يُعفى المقاول من الاستمرار في التنفيذ ولا يُلزم بالتعويض. لكن، من يتحمل تبعة هلاك الإنشاءات التي أنجزها المقاول والتي لم يتم تسليمها؟
تنص مادة (665-1) من القانون المدني المصري على أنه "إدا هلك الشيء بسبب حادث مفاجئ قبل تسليمه لرب العمل فليس للمقاول أن يطالب لا بثمن عمله ولا برد نفقاته. ويكون هلاك المادة على من قام بتوريدها من الطرفين." ويعني ذلك أنه في حال وقوع حادث مفاجئ يتحمل المقاول تبعة الهلاك وليس له أن يطالب بثمن ما أنجزه من أعمال. أما المواد المستخدمة في عملية الإنشاء، فيتحمل خسارتها من قام بتوريدها، سواء كان المقاول أم صاحب العمل. والسؤال هو: ما المقصود بالحادث المفاجئ؟ وهل ينطبق الوصف نفسه على القوة القاهرة؟
وتنص مادة (217-1) من القانون نفسه على أنه "يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة." ويُلاحَظ أن المُشرّع، في مادة (665-1)، استخدم مصطلح "حادث مفاجئ" فقط ولم يستخدم معه مصطلح "قوة قاهرة"، على حين أنه استخدم المصطلحين معا في مادة (217-1). وفي مادة (147-2)، استخدم المُشرع مصطلح "حوادث استثنائية عامة" عند الإشارة إلى نظرية الظروف الطارئة. فما الفرق بين "الحادث المفاجئ" و "القوة القاهرة"؟
ينقسم الفقه حول التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ؛ فمنهم من يرى أنه لا فرق بينهما وأنهما يرتبان الأثر نفسه، ومنهم من يرى أن مصطلح "القوة القاهرة" يشير إلى حادث ينجم عن ظروف خارجة عن الشيء نفسه، كحدوث زلزال، أما الحادث المفاجئ فيشير إلى حادث ينجم من داخل الشيء نفسه كانفجار آلة في مصنع. وفي رأينا، أن الرأي الثاني هو الأرجح لأن من القواعد العامة للتفسير أنه إذا تغيرت الكلمة تغير المعنى. ويُعزز هذا الرأي استخدام المصطلحين معا في أكثر من مادة في القانون المدني المصري (انظر المواد 164 و 641 و 673-2 و 678). وإذا كان المعنى واحد، فلم استخدم مصطلحان للتعبير عنه؟
ومن ثم، ينطبق الحكم المنصوص عليه في مادة (665-1) على حالة "الحادث المفاجئ" الذي ينجم من داخل الشيء نفسه فقط، وليس على الحادث الذي ينجم عن أسباب خارجية ("القوة القاهرة"). ويبرز هنا سؤال مهم، وهو: ماذا عن حالة القوة القاهرة التي تُعزى لأسباب خارجية، هل يتحمل المقاول تلقائيا أيضا تبعة هلاك الإنشاءات قبل تسليمها إلى صاحب العمل؟ ولماذا لم يتم النص على الحالتين معا في مادة (665-1) إذا كانا يرتبان الأثر نفسه؟
يمكن تفسير ذلك بأنه في حالة "الحادث المفاجئ" بالمعنى المذكور أعلاه، يتحمل المدين تلقائيا تبعة الهلاك دون حاجة إلى الاتفاق على ذلك، أما في حالة القوة القاهرة بالمعنى المذكور أعلاه، فينبغي النظر في ما ينص عليه الاتفاق بين الطرفين. وفي الحالتين، يجوز الاتفاق على تحميل المدين (المقاول) تبعة الهلاك. ومن المبادئ المستقرة أن التبعة تنتقل مع الحيازة.
ويُفضل إدراج نص في العقد ينص صراحة على أنه في حال وقوع حادث مفاجئ أو قوة قاهرة، يتحمل المقاول أية خسائر تحدث نتيجة لذلك الحادث طالما أن صاحب العمل لم يشترك بخطئه في إحداثها وأن هلاك الشيء حدث قبل تسليمه. ويلي ذلك تعريف لكل مصطلح على حدة.