الأصول الفنية للتعديلات التشريعية
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
من الحقائق الصادمة أنه لا يوجد في أية دولة عربية، تقريبا، قانون لا يتعرض للتعديل بعد إصداره! ويترتب على ذلك حدوث صعوبات كبيرة في فهمه وتطبيقه. وتحدث هذه الصعوبات، غالبا، بسبب كثرة التعديلات التي تدخل على القانون، من جهة، والطرق المعيبة التي يتم بها إدخالها، من جهة أخرى. وعندما يصعب العثور علي النصوص التي تنظم موضوعا معينا في قانون ما بسبب كثرة التعديلات التي أدخلت عليه؛ وعندما يشكو الناس من صعوبة فهم القوانين المُعدّلة نتيجة سوء تنظيمها وعدم وضوحها؛ وعندما يُفاجأ مستخدم القانون بأن النص الذي يستند إليه قد تم إلغائه أو تعديله بقانون لاحق؛ فإن كل هذه مؤشرات قوية علي أن هناك حاجة مُلحة لإصلاح عملية تعديل القوانين وتحسينها.
ويحدث التعديل عن طريق الإلغاء الكلي للقانون وسن قانون جديد بدلا منه، أو الإضافة، أو الحذف، أو الاستبدال. ومثال للصعوبات التي تنشأ نتيجة لاستخدام طريقة معيبة للتعديل، الإلغاء الضمني؛ ومؤداه، سن قانون جديد يتضمن أحكاما تتعارض مع قانون قديم دون أن يشير القانون اللاحق إلى إنهاء العمل بالقانون السابق، وترجع خطورة الإلغاء الضمني إلى أن مستخدم القانون ربما لن يدرك حدوث هذا الإلغاء. ومثال آخر، إلغاء حُكم محدد في قانون قديم لكن هذا الحكم موجود في قوانين أخرى. وربما يفطن الصائغ إلى هذه المشكلة فيلجأ إلى الإلغاء الأعمى؛ ومثاله، النص الذي يلغي "أي حُكم آخر يتعارض مع هذا القانون." وهنا تحدث مشكلة أكبر؛ وهي أنه ربما يكون وجود هذا الحُكم في قانون آخر أمرا مهما.
وقد يحدث التعديل الأعمى بطريق الإضافة أو الحذف أو الاستبدال. ومثال للتعديل بطريق الإضافة أو الحذف، استخدام صيغة "تُضاف إلى (أو تُحذف من) مادة ×× الفقرة الآتية...". وينصح الفقهاء بعدم استخدام هذه الطريقة لأنها لا توضح السياق الذي يجري فيه التعديل، ولهذا السبب، يسمى هذا التعديل "التعديل الأعمى". وبدلا من ذلك، يُنصح بإدراج الكلمة أو العبارة المحذوفة، ثم شطبها مع الإبقاء عليها واضحة، ويدرج بعدها النص الجديد.
ومثال للتعديل الأعمى بطريق الاستبدال، استخدام صيغة "تُستبدل بالمواد أرقام ×× و ×× و××، المواد الآتية......" وعادة، يؤدي هذا النوع من التعديل إلى صعوبات كثيرة في فهم القانون لأن القانون الجديد لا يشير إلى النص الأصلي المُعدّل، ولأنه لا يتطلب فحسب الرجوع إلى التشريع السابق وإنما يترك غالبا ظلالا من الشك حول كيفية الربط بين النصين وفهمهما معا. ومن عيوبه، أيضا، أنه يحول دون تجميع القوانين التي تتناول موضوعا معينا في مجموعة واحدة.
وفي رأينا، أنه عند إلغاء حُكم ما في قانون قائم، ينبغي التأكد، أولا، من أن هذا الإلغاء لن يؤثر على أية قوانين أخرى تتضمن الحُكم الملغي. وعند تعديل كلمة أو عبارة بالإضافة أو الحذف، يجب إدراج النص الأصلي ثم شطبه وإدراج النص المُعدّل. وعند التعديل بطريق الاستبدال، يُضاف النص الأصلي في الهامش السفلي. وعند تعديل أكثر من مادة في قانون قائم، يُفضل إدراج التعديلات في مواد منفصلة بدلا من إدراجها في مادة واحدة. وعند تعديل أكثر من ربع مواد القانون، يُفضل إلغاء القانون الأصلي، ووضع قانون جديد، بدلا من استخدام صيغة الاستبدال.