السلطة التقديرية لجهة الإدارة في توقيع الجزاء التأديبي

السلطة التقديرية لجهة الإدارة في توقيع الجزاء التأديبي

السلطة التقديرية لجهة الإدارة في توقيع الجزاء التأديبي
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

تتمتع جهة الإدارة، في سياق ممارستها لسلطتها التقديرية،بنوعين من السلطات؛ الأول، سلطة مقيدة تتقيد بما نص عليه القانون من اختصاص خولها إياه صراحة. والثاني، سلطة تقديرية في التصرف فيما لم يرد فيه نص صريح ينطبق على الواقعة المنظورة.وفي الحالة الثانية،ينبغي أن تستند جهة الإدارة إلىمبدأ قانوني أو قاعدة عامة فيأي مصدر مشروع. ويجوز أن يكون ذلك المصدر مكتوبا (كالدستور والقانون واللوائح والتعليمات) أو غير مكتوب (كالعُرف الإداري والمبادئ القضائية المستقرة، وغيرها). ومثال ذلك،حضور الموظف إلى مكان العمل بزي غير مناسب في تقدير جهة الإدارة مع وجودمبدأ عاميقضيبوجوب أن يظهر الموظف بالمظهر اللائق. وفي جميع الأحوال، لا يجوز لجهة الإدارة أن تخالف القانون.ويُسمّى هذا المبدأ "مبدأ المشروعية".

وبالإضافة إلى مبدأ المشروعية، تتقيد جهة الإدارة في ممارستها لسلطتها التقديرية بمبدأ الصلة بين الفعل المخالف والعمل الوظيفي، ومبدأ التناسب بين المخالفة والعقوبة، ومبدأ شخصنة العقوبة وبمقتضاه لا يُسأل الموظف إلا عن خطئه الشخصي، ومبدأ مواجهة الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه. وتخضع قرارات جهة الإدارة لرقابة القضاء الإداري. وفي مجال المخالفات الماليةالتي قد تؤدي إلى ضياع حق مالي لجهة العمل، تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وفضلا عن ذلك، يجوز لجهة الإدارة، في حال عدم وجود نص، اعتبار تصرفا ما من قبل الموظف مخالفة تستوجب التأديب إذا رأت أنه يخالف مقتضيات وظيفته. وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأنه "لا يُشترط أن تحدد جهة الإدارة، أو السلطة التشريعية، أفعالا بعينها مسبقاً حتى يُعاقَب الموظف على ارتكابها، بل يُعاقَب الموظف، إذا ثبت ارتكابه لفعل أو إمتناع عن فعل لا يتفق ومقتضيات وظيقته، سواء ورد نص على ذلك، أم لم يرد."

ورغم أن جهة الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في تحديد ما إذا كان التصرف المنسوب إلى الموظف يشكل مخالفة وظيفية، أم لا، وفي اختيار نوع الجزاء الذي توقعه عليه، فإنها تخضع في ذلكلقيود معينة؛ منها التقيد بأنواع العقوبات المنصوص عليها في القانون وعدم الخروج عليها. ومثال لعدم التقيد بالجزاءات المنصوص عليها، أن يصدر قرار تأديبيبنقل الموظف. وفي ذلك، تواترت أحكام المحكمة الإدارية العليا على اعتبار هذا النقل جزاء مُقنّعا يستوجب البطلان لعدم وروده ضمن أنواع الجزاءات التي نص عليها القانون. ومن هذه القيود أيضا ضرورة مراعاة التدرج في مجال الجزاءات التي تفرض في حالعدم التزامالموظف بمواعيد الدوام الرسميبينما تعتبر جهة الإدارة غير مُلزمة بمراعاة التدرج في الجزاءات في حال المخالفات الأخرى.

وفي رأينا، ينبغي أن يتيح النص التشريعي لجهة الإدارة خيارات متعددة معقولة وأن لا تكون تلك الخيارات محدودة وذلك لتمكينها من توقيع الجزاء المناسب. ومثال للخيارات المحدودة، ما نصت عليه مادة (161) من قانون الخدمة المدنية من أن الجزاءات التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف القيادية هي: 1) التنبيه؛ 2) اللوم؛ 3) الإحالة إلى المعاش؛ 4) الفصل من الخدمة. لاحظ أنه لا يوجد جزاء وسط بين "اللوم"؛ وهو جزاء بسيط للغاية، و "الإحالة إلى المعاش"؛ وهو عقوبة قاسية جدا.