شروط “شهر العسل” في عقد العمل

شروط “شهر العسل” في عقد العمل

شروط "شهر العسل" في عقد العمل
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

عادة، تكون العلاقةودية بين صاحب العمل والعامل في بداية علاقة العمل، لكن مثلما يحدث في الزواج، سرعان ما ينتهي "شهر العسل" بينهما ويبدأ صاحب العمل في الخوف من أن يُلحق العامل الضرر به، سواء في أثناء فترة عمله أو بعد انتهائها أو إنهائها. ولتفادي ذلك، يُدرج صاحب العمل في عقد العمل ما يُعرف باسم "الشروط المُقيدة"restrictive clausesلفرض قيود على العاملتمنعه من القيام بأي تصرف أو ممارسة أي نشاطمن شأنه أن يُلحق الضرربصاحب العمل.ويُسمي المحامون الإنجليزهذه القيود "شروط شهر العسل" honeymoon clauses.

ومن هذه القيود: حظر المنافسةnon-compete، وحظر إغواء الموظفين للعمل لدى صاحب عمل آخر، وحظر الاحتفاظ بكشوف العملاء والتعامل معهم، وحظر استخدام اسم صاحب العمل في نشاطات العامل، والالتزام بالسرية، والإفصاح لصاحب العمل عن أية ابتكارات محمية بحقوق الملكية الفكرية يتوصل إليها العامل خلال فترة عمله،وإعادة ممتلكات صاحب العمل بما فيها أية أجهزة أو مستندات، وغيرها.ورغم أن القوانينتحمي صاحب العمل من الأضرار التي قد يُلحقها به العامل خلال فترة سريان عقد العمل باعتبارها تمثل إخلالا بمبدأ حسن النية وأمانة التعامل، يُفضل إدراج هذه القيود في عقد العمل وصياغتها في شكل شروط منفصلة. وسنخصص هذه المقالة لشرط "حظر المنافسة" على أن نتناول لاحقا باقي الشروط.

ويُقصد بشرط "حظر المنافسة" منع العامل من منافسة صاحب العمل في نشاطه أو مهنته.وتجيز معظم القوانين الاتفاق على حظر المنافسةبعد انتهاء علاقة العمل، لكنها تقيد ذلك بشروط معينة من جهةالزمانوالمكانونوع العمل، وبأن يكون الهدف منها حماية مصلحة مشروعة لصاحب العمل، وأن لا يكون الهدف منها إجبار العامل على الاستمرار في العمل لدى صاحب العمل،وأن لا تخالف النظام العام.وبصفة عامة، تقضي المحكمة ببطلان شرط "حظر المنافسة" إذا كان يضع قيودا مبالغا فيها على العامل سواء من جهة نوع العمل أو مدته أو مكانه. فكيف نجعل المحكمة تطمئن إلى أن هذه القيود معقولة؟

لتحقيق هذه الغاية، ينبغي أن يحددشرط"حظر المنافسة" نوع الأعمال التي لا يجوز للعامل القيام بها سواء في أثناءمدة عقد العمل أو بعد انتهائه أو إنهائهوالتي من شأنها أن تضر صاحب العمل؛ ومدة هذا الالتزام، والمنطقة الجغرافية التي يسري فيها، ويَحظر على العامل الإفصاح للغير عن أسرار العمل أو نظامه. وينبغي أن تُصاغ هذه القيود بعبارات واضحة وتكون معقولة حتى لا ترى المحكمة أنها مُبالغ فيها، وتقضي ببطلان الشرط.فإذا كان العامل، مثلا، يعمل بوظيفة "محاسب" فلا يجوز الاتفاق على إلزامه بعدم العمل لدى أية شركة محاسبة في أية منطقة، أو لمدة مُبالغ فيها، أوبصرف النظر عن الوظيفة التي سيشغلها، إذ قد تنظر المحكمة إلى هذه القيود على أنها غير معقولة لأنها تحرم العامل من العمل لدى أية جهة عمل أخرى.

ويترتب على مخالفة العامل لشرط "حظر المنافسة" مسئولية عقدية؛ ويعني ذلك أن صاحب العمل لا يكون مُلزما بإثبات حدوث خطأ من العامل، بل يكفي أن يُثبت عدم التزامه بتعهداته العقدية. وجزاء الإخلال هو التعويض النقدي فقط، ولا يؤثر عدم التزام العامل على صحة عقده مع صاحب العمل الجديد. ويمكن أن تترتب، أيضا،مسئولية على صاحب العمل الجديد الذي التحق العامل بمنشأته إذا ثبت أنه كان يعلم بوجود الشرط وانعقدت نيته على إغواء العامل لمخالفته. لكن المسئولية في هذه الحالة تكون مسئولية تقصيرية، ومن ثم، يتعين على صاحب العمل المتضرر إثبات حدوث الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما.