لعبة “البنج بونج” في ساحة البرلمان!!

لعبة “البنج بونج” في ساحة البرلمان!!

لعبة "البنج بونج" في ساحة البرلمان!!
محمود محمد علي صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي

في بريطانيا، عندما يجتاز مشروع القانون مرحلة القراءة الثالثة في مجلس العموم، يُرسَل إلى مجلس اللورداتلمراجعتهوإدخال أية تعديلات عليه،وعند إدخال تعديلات عليه،يُعاد المشروع إلىمجلس العمومللنظر فيها، وإما يوافقأو لا يوافق عليها. وفي حالة عدم موافقته أو تقديم مقترحات بديلة، يُعاد المشروع مرة ثانية إلى مجلس اللوردات. ويمكن أن يتكرر قذف المشروع بين المجلسين مرات عدة بشكل متسارع، كما يحدث تماما في لعبة تنس الطاولة، إلى أن بتراجع أحد المجلسين أو يتم التوصل إلى حل توافقي،ويوافقان معاعلى صياغته النهائية. ومثال ذلك، ما حدث عند إقرار "قانون مكافحة الإرهاب البريطاني" لسنة 2005؛ إذ تم تبادل قذف المشروع بين المجلسين؛ خمس مرات إلى مجلس اللوردات وأربع مرات إلى مجلس العموم على مدار 30 ساعة فقط.وتُسمى هذه العملية "لعبة البنج بونج البرلمانية"!

وفيالولايات المتحدة، كما في بريطانيا، يُشترط لإقرار مشروع القانون أن يوافق عليه المجلسان، وإلا يتم رفضه.وإذا اختلف المجلسان حول التعديلات على مشروع القانون، يُحال الخلاف إلى لجنة مشتركةلحله.وفي فرنسا، عند الإختلاف بين المجلسين حول نص مشروع القانون، يجوز للحكومة أن تمنح الجمعية الوطنية "الكلمة الفصل" فيه.

وفي مصر كما في دول كثيرة، منها فرنسا وإيطاليا، لا يتمتع مجلس الشيوخالحالي بصلاحيات واسعة في مجال الرقابة والتشريع مقارنة بمجلس النواب. ووظيفته الرئيسة هي الدراسة وإبداء الرأي (مادة-249 من الدستور). ويعني ذلك، أن مجلس النواب غير مُلزم بالأخذ بالتعديلات التي يقترحها مجلس الشيوخ. ومن ثم، لا تتاح الفرصة لكي يمارس المجلسان معا لعبة "البنج بونج"!

ويُمكن القول، اختصارا، بأن فحص مشروع القانون في مجلس النواب يمربأربع مراحل رئيسة؛ الأولى في اللجنة النوعية المختصة ويتم فيها فحصمضمون المشروع وإدخال التعديلات التي يراها الأعضاء عليه. وفي الثانية، يُعرض المشروع على اللجنة الدستورية والتشريعية لصياغته في شكله النهائي، ولا يجوز بعد ذلك إدخال أي تعديل عليه إلا فيما يتعلق بصياغة مواده (مادة-162 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب). وفي الثالثة، يناقش المجلس، أولا،المبادئ والأسس العامة للمشروع إجمالا، فإذا لم يوافق عليه من حيث المبدأ، اعتبر ذلك رفضا للمشروع (مادة-166). وفي الرابعة، يناقش المجلس مواد المشروع والاقتراحات بالتعديلات المقدمة بشأنها، ثم يُؤخذ الرأي على المشروع في مجموعه (مادة-167).

ويُشترط لصحة التعديلات التي يُدخلها المجلس على مشروع القانون أن تكون مُنسجمة مع الغاية من القانون؛ وأن تكون على صلة بالمواد محل النظر، وأن لا تتعارض مع القوانين ذات الصلة. وأخيرا، ينبغي النظر في الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المحتمل للتعديل؛ إذْ، بدلا من أن يؤدي التعديل إلى حل مشكلة، يمكن أن تترتب عليه آثار سلبية خطيرة تفوق بكثير منافعه.

وفي رأينا، إن إعطاء مجلس الشيوخ سلطة متساوية مع مجلس النواب في إقرار التشريع أفضل لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحسين جودة التشريع، ويقلل من اندفاع مجلس النواب وخضوعه لهيمنة الحكومة. وعندئذ، يمكننا الاستمتاع بمشاهدة "لعبة البنج بونج" في ساحة المجلسين.!